«ثم يأتي القوم فيدعوهم، فَيرُدون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم!..». |
من هؤلاء الذين يَرُدّون على الدجال قوله؟ إنهم الذين يأكلون ليعيشوا، نعم.. ليعيشوا عبيداً لله عز وجل، فالطاعة والعبادة أولاً قبل الطعام والشراب والشهوات، لأن الله سبحانه خلقنا لذلك: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ# مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ# إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58]. |
نعم، العبادة أولاً، ثم الطعام والشراب يكون للتقوي على الطاعة والعبادة، لأن غذاء الروح أولى من غذاء الجسد، وغذاء الروح هو الإمتثال لأوامر الله عز وجل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام ولما أراد الصحابة أن يفعلوا مثله نهاهم، وقال صلى الله عليه وسلم: «إني لست مثلكم، إني أطعم وأُسقى» [رواه البخاري]. |
يريدون أن يواصلوا الصيام لأن الصيام يعطيهم طاقة وحيوية، ويشعرون أنهم أقرب إلى عالم الملائكة، الملائكة الذين ليس لهم إلا التسبيح والتحميد والذِكر، فلا طعام ولا شراب ولا شهوات |
الصحابة رضي الله عنهم في صدر الإسلام يريدون أن يواصلوا الصيام، والذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم: « والله خليفتي على كل مسلم»، يَرُدّون على أعظم دجال قوله، لأنهم لا يبيعون دينهم برغيف خبز، أو بذهب برّاق، لا ولا حتى بما طلعت عليه الشمس، لأنهم يأكلون ليعيشوا، فإذا كان هذا الطعام قد جاء من خبيث، وكان ثمن هذا الطعام الكفر «فمن تبعه أطعمه وأكفره»، فلا والله لا يقبل، لأنه سيكون أسوأ من لحم الخنزير ومن الميتة التي يأكلها المضطر «والله خليفتي على كل مسلم»، ونِعْمَ بالله الذي لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً. |
وهنا كما أن الدجال عنده قدرات سخرها للشر وأخلد إلى الأرض واتَّبع هواه، فإن الله عز وجل أعطى المؤمنين المسلمين كرامات وأجرى عليهم أحوالاً غير عادية، فيكون طعام المؤمنين الذين يَرُدّون عليه قوله، التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، يجري عليهم مجرى الطعام والشراب. |
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جَهداً يكون بين يدي الدجال، فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: «غلام شديد يسقي أهله الماء، وأما الطعام فَليس». قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: «التسبيح والتكبير والتهليل» الحديث [رواه أحمد وأبو يعلى]. |
إن الفتية الذين آووا إلى الكهف في الزمن الأول، لم يحتاجوا إلى الطعام والشراب لأكثر من ثلاثمائة عام، ولقد وجد زكريا عليه السلام الطعام عند مريم في المحراب دون الأسباب والمسببات، وهو على غير المألوف، وهنالك دعا زكريا ربه أن يرزقه ولداً، وهؤلاء يَرُدّون على الدجال قوله، فتسمو أجسادهم كما سمت أرواحهم، فيجري عليهم الذِكرُ مجرى الطعام والشراب. |