أما الدجال فإنه يتوق لذلك اليوم الذي يزعم فيه أنه الله، ويرى أولاد آدم يدعونه ويسألونه، ليس لشيء: فقط لأن الله قد أعطاه آيات، نعم فالله سبحانه وتعالى هو الذي سخر له أسراراً من هذا الكون؛ هذا الكون المملوء بالأسرار والأنظمة الدقيقة. وهذا الرجل هو الذي ذكره الله عز وجل فقال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ# وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175-176]، وقد ساق المفسرون رحمهم الله أقوالاً في هذا الذي آتاه الله آياته، فقالوا: هو بلعام بن باعوراء، وكان في زمن موسى عليه السلام، وكان مستجاب الدعاء، وأن قومه طلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وأن يدعو على بني إسرائيل، وهذا لا يتفق مع الواقع، إذ أن الرسول موسى عليه السلام، وقومه بنو إسرائيل هم المؤمنون، والكنعانيون لم يكونوا كذلك، فكيف يكون بلعام هذا مستجاب الدعاء، وأنه دعا على موسى عليه السلام، فكان هذا هو انسلاخه من الآيات التي آتاه الله إياها، وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن آيات الله عز وجل ليست دعاء |
وقالوا أيضاً رحمهم الله: هو أمية بن أبي الصلت، وكان في الجاهلية يقول الشعر ويمدح الدين الحنيف، ولما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمن، ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم. |
وهذا كذلك لا يستقيم، إذ كيف تكون آيات الله شعراً، آيات الله ليست دعاء بلعام بن باعوراء، ولا شعر أمية بن أبي الصلت، آيات الله في الآفاق وفي أنفسكم، آيات الله الليل والنهار، آيات الله الشمس والقمر، آيات الله الريح، آيات الله السحاب، آيات الله خلق الأزواج، آيات الله النجوم، آيات الله الفلك، آيات الله اختلاف ألوانكم والسنتكم، آيات الله أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ورَبت، آيات الله أسرار لا يعلمها إلا الله ولا يحصيها إلا الله، وقد أعطى الله عز وجل بعض هذه الأسرار والآيات للدجال، فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتَّبع هواه، ولو أنه كان عبداً طائعاً لله لرفعه الله بهذه الآيات كما رفع إدريس عليه السلام، وكان عنده علم الفلك، وكما رفع سليمان عليه السلام، وقد سخر الله له الجن والريح وآتاه مُلكاً عظيماً، فقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ، وكما آتى الله عز وجل عيسى عليه السلام الآيات والبينات، فكان عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان يُحيي الموتى بإذن الله، ولكنه قال: إني عبد الله. |
أما الدجال، فأخلد إلى الأرض واتبع هواه، عندما رأى نفسه يمتلك هذه القدرات وهذه العلوم تكبر، وهذا دائماً حال العبيد الآبقين، فإبليس قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، وقارون قال: إنما أوتيته على علم عندي، والدجال يزعم أنه الله وذلك بسبب تسخير بعض النواميس له، وهذه فتنة، حتى يعلم الله عز وجل وهو بكل شيء عليم من هم الذين يرضون بأي إله، ومن هم الذين يعبدون الله الواحد الأحد الذي في السماء، من هم الذين يرضون بإله كذاب أعور يمشي في الأسواق، يؤمنون به مقابل رغيف خبز، ومن هم الذين لو ذاقوا ألوان العذاب يقولون: |
mosestablet
